هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ابوذر الغفاري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ود العقل
Admin
ود العقل


عدد المساهمات : 107
العمر : 36
الموقع : http://3rabtk.blogspot.com

ابوذر الغفاري Empty
02072014
مُساهمةابوذر الغفاري

رجال حول الرسول ) صلّى الله عليه وسلّم ( أبو ذر الغفاري ( زعيم المعارضة وعدو الثروات ) أقبل على مكة نشوان مغتبطا.. صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم, بيد أن الغاية التي يسعى إليها, أنسته جراحه, وأفاضت على روحه الحبور والبشور. ودخلها متنكرا, كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام.. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه, أو طال به السفروالارتحال فأوى إليها يستريحويتزوّد. فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم, ويستمع إليه لفتكوا به. وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به, ولكن بعد أن يقابل الرجل إلي قطع الفيافي ليراه, وبعد أن يؤمن به, إن اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته.. ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد, وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهمفي حذر, حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد, وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه. في صبيحة يوم ذهب إلى هناك, فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً وحده, فاقترب منه وقال: نعمت صباحا يا أخا العرب.. فأجاب ال ر سول عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا أخاه. قال أبو ذر:أنشدني مما تقول.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك, ولكنه قرآن كريم. قال أ ب و ذر: اقرأ عليّ.. فقرأ عليه الرسول, وأ ب و ذر يصغي.. ولم يم ض من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر: "أشهد أن لا اله إلا الله. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"! وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب..؟ فأجابه أبو ذر: من غفار.. وتألقت ابتسامة على فم ال ر سول صلى الله عليه وسلم, واكتسى وجهه الدهشة والعجب.. وضحك أبو ذر كذلك, فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالإسلام أمامه إنما هو رجل من غفار..!! فغفار هذه قبيلة لا يدرك لهاشأو في قطع الطريق..!! وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع.. إنهم حلفاء الليل والظلام, والويل لمن يسلمه الليل إلى واحد من قبيلة غفار. أ فيجيء منهم اليوم, والإسلام لا يزال دينا غصّا مستخفياَ, واحد ليسلم..؟! يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه: ".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا, لما كان من غفار, ثم قال: إن الله يهدي من يشاء. ولقد كان أبو ذر رضي الله عنهأحد الذين شاء لهم الهدى, وأراد بهم الخير. وإنه لذو بصر بالحق, فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى, وأراد بهم الخير. وانه لذو بصر بالحق, فقد روي عنه أنه أحد الذين ك ا نوا يتألهون في الجاهلية, أي يتمرّدون على عبادة الأصنام , ويذهبون إلى الإيمان باله خالق عظيم. وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصنام وعبّادها, ويدعو إلى عبادة الله الواحد القهار, حتى حث إليه الخطى, وشدّ الرحال. أسلم أبو ذر من فوره.. وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس.. إذن, هو قد أسلم في الأيام الأولى, بل الساعات الأولى للإسلام, وكان إسلامه مبكرا.. وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا.. يهمس بها إلى نفسه, وإلى الخمسة الذين آمنوا معه, ولم يكن أمام أبي ذر إلا أن يحمل إيمانه بين جنبيه, ويتسلل به مغادراً مكة, وعائدا إلى قومه... ولكن أبا ذر, جندب بن جنادة, يحمل طبيعة فوارة جيّاشة. لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون.. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه.. حجارة مرصوصة, ميلاد عابديها أقدم من ميلادها, تنحني أمامها الجباه والعقول, ويناديها الناس: لبيك.. لبيك..!! وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبلأن يرحل. لقد توجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فور إسلامه بهذا السؤال: يا رسول الله, بم تأمرني..؟ فأجابه الرسول: ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري.. فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد..!! ألم أقل لكم..؟؟ تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة, أفياللحظة التي يكشف فيها أبوذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به, وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع إلى أهله صامتا.؟ هذا أمر فوق طاقته.. هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته: [أشهد أن لا اله إلا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله]... كانت هذه الصيحة أول صيحة بالإسلام تحدّت كبرياءقريش وقرعت أسماعها.. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى.. ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه.. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه.. وترامى النبأ إلى العباس عم النبي, فجاء يسعى, وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم إلا بالحيلة ا لذكية, قال له: "يا معشر قريش, أنتم تجار, وطريقكم على غفار,, وهذا رجلمن رجالها, إن يحرّض قومه عليكم, يقطعوا على قوافلكم الطريق".. فثابوا إلى رشدهم وتركوه. ولكن أبا ذر, وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله, لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد...!! وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم, يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف, و نائلة ) ودعوانهما, حتى يقف عليهماويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان, ويهرول الرجال كالجراد, ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه.. وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله". ويدركالرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد, وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد, فيعيد عليه أمره بالعودة إلى قومه, حتى إذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه.. ويعود أبو ذر إلى عشيرته وقومه, فيحدثهم عن النبي الذي ظهر يدعو إلى عبادة اللهوحده ويهدي لمكارم الأخلاق, ويدخل قومه في الإسلام, واحدا اثر واحد.. ولا يكتفي بقبيلته غفار, بل ينتقل إلى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه..!! وتتابع الأيام رحلتها في موكبالزمن, ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, ويستقر بها والمسلمون معه. وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان, أثارت أقدامهم النقع..ولولا تكبيراتهم الصادعة, لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك.. اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه.. لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم, جاء بهما أبو ذر مسلمين جميعا رجإلا ونساء. شيوخا وشبابا, وأطفالا..!! وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجباودهشة.. فبالأمس البعيد عجب كثيرا حينرأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن إسلامه وإيمانه, وقال معبّرا عن دهشته: "إن الله يهدي من يشاء"..!! أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة. وقد قطعت في الإسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر, وتجيء معها قبيلة أسلم.. إن عمالقة السطور وحلفاء الشيطان, قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق. أليس الله يهدي من يشاء حقا..؟؟ لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا.. ونظر إلى قبيلة غفار وقال: "غفار غفر الله لها". ثم إلى قبيلة أسلم فقال: "وأسلم سالمها الله".. وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة, العزيز المنال..إلا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية..؟؟ أجل.. ولسوف يكون جزاؤه موفورا, وتحيته مباركة.. ولسوف يحمل صدره, ويحمل تاريخه, أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة.. ولسوف تفنى القرون والأجيال, والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر: " ما أقلّت الغبراء, ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبيذر"..!! ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد, وقدرته ا ل باهرة على مواجهة الباطل.. بيد أن وقته لم يأت بعد, فيعيد عليه أمرهبالعودة إلى قومه, حتى إذا سمع بظهور الدين عاد وأدلىفي مجرى الأحداث دلّوه.. أصدق لهجة في أبي ذر..؟ لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه, ولخص حياته كلها في هذه الكلمات.. فالصدق الجسور, هو جوهر حياة أبي ذر كلها.. صدق باط ن ه, وصدق ظاهره.. صدق عقيدته وصدق لهجته.. ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه, ولا يغالط غيره, ولا يسمح لأحد أن يغالطه.. ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر.. إنما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ.. الصدق ولاء رشيد للحق, وتعبير جريء عنه, وسير حثيث معه.. ولقد كان الرسول صلى اللهعليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته, فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله. وألقى الرسول يوما هذا السؤال: " يا أبا ذر كيف أنت إذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء"..؟ فأجاب قائلا: "إذن والذي بعثك بالحق, لأضربن بسيفي".!! فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: "أفلا أدلك على خير من ذلك..؟ اصبر حتى تلقاني". ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات..؟؟ الأمراء .. والمال..؟؟ تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته, وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل.. ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال, ليزوده هذه النصيحة الثمينة:"اصبر حتى تلقاني".. ولسوف يحفظ أبو ذر وصية معلمه, فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار.. أجل إذا كان الرسول قد نهاهعن حمل السيف في وجوههم, فانه لا ينهاه عنأن يحمل في الحق لسانه البتار.. ولسوف يفعل.. ومضى عهد الرسول, ومن بعده عصر أبي بكر, وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها.. حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة, لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا. وأيامئذ, لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة... ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر, فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض, زهدا وتقشفا, ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر.. إن واليا من ولاته في العراق, أو في الشام, أ و في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة, لا يكاد يصلإليها نوعا من الحلوى, لا يجدعامة الناس قدرة على شرائه, حتى يكون الخبر قد وصل إلى عمر بعد أيام. وحتىتكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي إلى المدينة ليلقى حسابه العسير..!! ليهنأ أبو ذر إذن.. وليهنأ أكثر مادام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين.. وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايق استغلال السلطة, واحتكار الثروة, فان ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة, وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا.. وهكذا تفرغ لعبادة ربه, وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت إذا رأى مخالفة هنا, أو هناك.. وقلما كان يرى.. بيد أن أعظم, وأعدل, وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم, تاركا وراءه فراغا هائلا, ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّمنه ولا طاقة للناس به. وتستمر الفتوح في مدّها, ويعلو معها مد الرغبات والتطلعإلى مناعم الحياة وترفها.. ويرى أبو ذر الخطر.. إن ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله.. إن الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري, توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات.. إن المال الذي جعله الله خادمامطيعا للإنسان, يوشك أن يتحوّل إلى سيّد مستبد.. ومع من؟ مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة, في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه..!! إن خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا.. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن أصير حكرا ومزية.. إن السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار , تتحول إلىسبيل للسيطرة, وللثراء, وللترف المدمر الوبيل.. رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحثعن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه إلى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه, ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة.. لكن سرعانما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول, فأعاد السيف إلى غمده, فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم.. (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض.. وليس السيف أداة التغيير والتقويم, بل الكلمة الصادقة, الأمينة المستبسلة.. الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها, ولا ترهب عواقبها. لقد أخبر الرسول يوما وعلىملأ من أصحابه, أن الأرض لم تقلّ, وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر.. ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة, وصدق الاقتناع , فما حاجته إلى السيف..؟ إن كلمة واحدة يقولها, لأمضى من ملء الأرض سيوفا.. فليخرج بصدقه هذا, إلى الأمراء .. إلى الأغنياء . إلى جميعالذين أصبحوا يشكلون بركونهم إلى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا, لا جابيا.. ونبوة لا ملكا,.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادافي أخذ الحياة, لا فتونا بها ولا تهالكا عليها.. فليخرج إلى هؤلاء جميعا, حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق, وهو خير الحاكمين. وخرج أبو ذر إلى معاقل السلطة والثروة, يغزوها بمعارضته معقلا معقلا.. وأصبحفي أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون.. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد.. طار إليها ذكره. وأصبح لايمر بأرض, بل ولا يبلغ اسمه قوما إلا أثار تساؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي السلطة والثراء. ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا, فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الإنس عنه كأنه نشيد.. هذه الكلمات: "بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة"..!! لا يص ع د جبلا, ولا ينزل سهلا, ولا يدخل مدينة, ولا يواجه أميرا إلا وهذه الكلمات على لسانه. ولم يعد الإنس يبصرونه قادما إلا استقبلوه بهذه الكلمات: " بشّر الكانزين بمكاو من نار".. لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها, حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال.. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع, وتفان وإخلاص.. لقد بدأ بأكثر تلك المعاقلسيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرا وفيضا, وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب, يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة, ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو إليه طموحه البعيد. هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الدعوة, فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر.. وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه, وسابق الريح إلى الشام.. ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق,والتفوا حوله أينما ذهب وسار.. حدثنا يا أبا ذر.. حدثنا يا صاحب رسول الله.. ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة, فيرى أكثرها ذوي خصاصة وفقر.. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع.. ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا: " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته, كيف لا يخرج على الإنس شاهرا سيفه"..؟؟!! ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب, والكلمة الشجاعة مكان السيف.. فيتركلغة الحرب هذه ويعود إلى لغة المنطق والاقتناع , فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم, هو أول من يجوع إذا جاعوا, وآخر من شبع إذا شبعوا.. لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الإسلام يكون له من الفطنة والمناعة, والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه, وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم, أو محتكرة للثروة. وفي أيام قلائل, كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة.. ولو أعطى أبو ذر إشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا.. ولكنه كما قلنا, حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه, وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق. ولقد بلغ خطره على الا متيازات الناشئة مداه, يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة, الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها.. ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة, كما وصفه نبيه وأستاذه.. وقف يسائل معاوية في غيرخوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما, وعن ثروته اليوم..!! وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة, وعن قصوره بالشام اليوم..!! ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية إلى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع. ثم يصيح فيهم جميعا: أفأنت م الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم..؟؟ ويتولى الإ جابة عنهم: نعم أنتمالذين نزل فيكم القرآن, وشهدتم مع الرسول المشاهد.. ثم يعود ويسأل: ألا تجدون فيكتاب الله هذه الآية : ) وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْوَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) 35) )..؟؟ ( التوبة ) ويختلان معاوية طريق الحديثقائلا: لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب.. ويصيح أبو ذر: لا بل أنزلت لنا ولهم.. ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال.. و أ لا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه.. وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر.. ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات: (بشّر الكانزين بمكاو من ناريوم القيامة).. ويستشعر معاوية الخطر, وتفزعه كلمات الثائر الجليل, ولكنه يعرف له قدره, فلا يقربه بسوء, ويكتب عن فورهللخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له:" إن أبا ذر قد أفسد الإنس بالشام".. ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة. ويحسر أبي ذر طرف ردائه عنساقيه مرّة أخرى ويسافر إلى المدينة تاركا الشام في يوملم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع..!! (لا حاجة لي في دنياكم)..!! هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل إلى المد ين ة, وجرى بينهما حوار طويل. لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه, ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر, بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها, وقرر أن يحتفظ به إلى جواره في المدينة, محددا بها إقامته. ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا, رقيقا, فقال له:" ابق هنا ب جانبي, تغدو عليك القاح وتروح".. وأجابه أبو ذر: (لا حاجة لي في دنياكم).! أجل لا حاجة له في دنيا الناس.. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح, ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا..!! ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج إلى الرّبذة فأذن له.. ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله, حافظا في أعماق روحه النصيحة التي وجهها إليه الرسول عليه الصلاة والسلام أ لا يحمل السيف.. لكأن الرسول رأى الغيب كله.. غيب أبي ذر ومستقبله, فأهدى إليههذه النصيحة الغالية. ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بإيقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لإشباع ولعهم وكيدهم. جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة, فزجرهم بكلمات حاسمة: " والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة, أ جبل, لسمعت, وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي.." " ولوسيّرني ما بين الأفق إلى الأفق , لسمعت وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي.. " ولو ردّني إلى منزلي, لسمعت وأطعت, وصبرت واحتسبت, ورأيت ذلك خيرا لي".. ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا, ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر, فتحاشاه أيضا, ورفع صوته لا سيفه بكلمةالحق ولهجة الصدق, لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه..! لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل. وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال, فالحكم والمال يملكان من الإغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على إخوانه الذين حملوا راية الإسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم, والذين يجب أن يظلوالها حاملين. والحكم والمال أيضا, هما عصب الحياة للأمة والجماعات, فإذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد . ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول إلا يلي أحد منهم إمارة أو يجمع ثروة, وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى, وعبّادا لله.. وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال, وكان يدرك أنأبا بكر وعمر لن يتكررا.. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من إغراء الإمارة ويقول عنها: ".. إنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة.. إلا من أخذها بحقها, وأدّى الذي عليه فيها"... ولقد بلغ الأمر بأبي ذر ل يت جنّب إخوانه إن لم يكن مقاطعتهم,لأنهم ولوا الإمارات , وصار لهم بطبيعةالحال ثراء وفرة.. لقيه أبو موسى الأشعري يوما, فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه:" مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي". ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول: " لست بأخيك, إنما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..! كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا, ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له: (اليك عني.. ألست الذي وليت الإمارة , فتطاولت في البنيان, واتخذت لك ماشية وزرعا)..؟؟ ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات.. وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من ال ح كم والثروة.. ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه, ومعإيمانه, فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله.. بسلوكه ورؤاه, عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر.. وإذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدركشأوها, فان أبا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل, ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام, وصلوا وراءه, وجاهدوا معه, وبايعوه على السمع والطاعة. كما أنه يدرك بوعيه المضيء,ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس, ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم, أو عدالة الثروة, يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته. ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه,أمينا عليها, حارسا لها.. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الإمارة والثروة,... عرضت عليه الإمارة بالعراق فقال: " لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا".. ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله: أليس لك ثوب غير هذا..؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟ فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني".. قال له: والله انك لمحتاج إليهما!! فأجاب أب ذر: "اللهم اغفر .. انك لمعظّم للدنيا, ألست ترى عليّهذه البردة..؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة, ولي عنزة أحلبها, وأتان أركبها, فأي نعمة أفضل ما نحن فيه"..؟؟ وجلس يوما يحدّث ويقول: [أوصاني خليلي بسبع.. أمرني بحب المساكين والدنو منهم.. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني, ولا أنظر إلى من هو فوقي.. وأمرني إلا أسأل أحد شيئا.. وأمرني أن أصل الرحم.. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا.. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم.. وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله]. ولقد عاش هذه الوصية, وصاغ حياته وفقها, حتى صار"ضميرا" بين قومه وأمته.. ويقول الإمام علي رضي الله عنه: "لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر"..!! عاش يناهض استغلال الحكم, واحتكار الثروة.. عاش يدحض الخطأ, ويبني الصواب.. عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير.. يمنعونه من الفتوى, فيزداد صوته بها ارتفاعا, ويقول لمانعيه: " والذي نفسي بيده, لو وضعتم السيف فوق عنقي, ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلىالله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها"..!! ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه.. إذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها, وعرّضت المجتمع والإسلام لأخطار, ما كان أقساها من أخطار. و الآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي اختار الإقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه, فتعالوا بنا إليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع, ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام. ان هذه السيدة السمراء الضامرة, الجالسة إلى جواره تبكي, هي زوجته.. وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟ فتجيبه بأنها تبكي: " لأنك تموت, وليس عندي ثوب يسعك كفنا"..!! ".. لا تبكي, فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده فينفر من أصحابه يقول: ليموتنّرجل منكم بفلاة من الأرض , تشهده عصابة من المؤمنين.. وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية, ولم يبق منهم غيري .. وهاأنذا بالفلاة أموت, فراقبيالطريق,, فستطلع علينا عصابة من المؤمنين, فاني والله ما كذبت ولا كذبت". وفاضت روحه إلى الله.. ولقد صدق.. فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء, تؤلف جماعة من المؤمنين, وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله. وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت, وإلى جواره سيدة وغلام يبكيان.. ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد, ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان, حتىتقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والإسلام أبي ذر. وتفيض عيناه بالدمع, ويقف على جثمانه الطاهر يقول:" صدق رسول الله.. نمشي وحدك, وتموت وحدك, وتبعث وحدك".! ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها:" تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك"... كان ذلك في غزوة تبوك.. سنة تسع من الهجرة, وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم, الذين شرعوا يكيدون للإسلام ويأتمرون به. وكانت الأيام التي دع ى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ.. وكانت الشقة بعيدة.. والعدو مخيفا.. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين, تعللوا بشتىالمعاذير.. وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهداومشقة, فجعل الرجل يتخلف,ويقولون يا رسول الله تخلف فلان, فيقول: " دعوه. فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم.. وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!! وتلفت القوم ذات مرة, فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: لقد تخلف أبو ذر, وأبطأ به بعيره.. وأعاد الرسول مقالته الأولى .. كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحروتعثرت من الإعياء خطاه.. وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد, ولكن الإعياء كان يلقي ثقله على البعير.. ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر , فنزل من فوق ظهر البعير, وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه, مهرولا, وسط صحراء ملتهبة, كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه.. وفي الغداة, وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا, بصر أحدهم فرأىسحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير.. وقال الذي رأى: يا رسول الله, هذا رجل يمشي على الطريق وحده.. وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كن أبا ذر).. وعادوا لما كانوا فيه من حديث, ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم, وعندها يعرفون من هو.. وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا, وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة, ولم يتخلف عن رسول الله وإخوانه المجاهدين.. وحين بلغ أول القافلة, صاح صائهحم: يا ر سول الله: انه والله أبا ذر.. وسار أبو ذر صوب الرسول. ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية, وقال: [يرحم الله أبا ذر.. يمشي وحده.. ويموت وحده.. ويبعث وحده..]. وبعد مضي عشرين عاما علىهذا اليوم أو تزيد, مات أبو ذر وحيدا, في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا علىطريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده, وبطولة صموده.. ولسوف يبعث عند الله وحيداكذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة, لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ابوذر الغفاري :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

ابوذر الغفاري

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: القسم الإسلامي :: رجال حول الرسول-
انتقل الى: